الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)
.انتقاض استدمر بدمشق. ولما اتصل بالشام ما فعله بيبقا وأنه استبد بالدولة وكان استدمر نائبا بدمشق كما قدمناه امتعض لذلك وأجمع الانتقاض وداخله في ذلك مندمر والبري ومنجك اليوسفي واستولى على قلعة دمشق وسار في العساكر ومعه السلطان المنصور ووصل إلى دمشق واعتصم القوم بالقلعة وترددت بينهما القضاة بالشام حتى نزلوا على الأمان بعد أن حلف بيبقا فلما نزلوا إليه بعث بهم إلى الإسكندرية فحبسوا بها وولى الأمير المارداني نائبا بدمشق وقطلوبغا الأحمدي نائبا بحلب مكان أحمد بن القتمري بصفد وعاد السلطان المنصور وبيبقا إلى مصر والله سبحانه وتعالى أعلم..وفاة الخليفة المعتضد بن المستكفي وولاية ابنه المتوكل. قد تقدم لنا أن الخليفة المستكفي لما توفي قبل الملك الناصر عهد لابنه أحمد ولقبه الحاكم وأن الناصر عدل عنه إلى إبراهيم بن محمد عم المستكفي ولقبه الواثق فلما توفي الناصر آخر سنة إحدى وأربعين أغار الأمراء القائمون بالدولة والأمير أحمد الحاكم ابن المستكفي ولي عهده فلم يزل في خلافته إلى أن هلك سنة ثلاث وخمسين لاول دولة الصالح سبط تنكز وولي بعده أخوه أبو الفتح بن المستكفي ولقب المعتضد ثم توفي سنة ثلاث وستين لعشرة أعوام من خلافته وعهد إلى ابنه أحمد فولى مكانه ولقب المستكفي والله تعالى أعلم..خلع المنصور وولاية الأشرف. ثم بدا لبيبقا الخاصكي في أمر المنصور محمد بن حاجي فخلعه استرابة به في شعبان سنة أربع وستين لسبعة وعشرين شهرا من ولايته ونصب مكانه شعبان بن الناصر حسن بن الملك الناصر وكان أبوه قد توفي في ربيع الآخر من تلك السنة وكان آخر بني الملك الناصر فمات فولي ابنه شعبان ابن عشر سنين ولقبه الأشرف وتولى كفالته وفي سنة خمس وستين عزل المارداني من دمشق وولى مكانه منكلي بغا نقله من حلب وولى مكانه قطلوبغا الاحمدي وتوفي قطلوبغا فولى مكانه غشقتمر سنة ست وستين فولى مكانه سيف الدين فرجي وأوعز إليه سنة سبع وستين أن يسير في العساكر لطلب خليل بن قراجا بن العادل أمير التركمان فيحضره معتقلا فسار إليه وامتنع في خرت برت فحاصره أربعة أشهر واستأمن من خليل بعدها وجاء إلى مصر فأمنه السلطان وخلع عليه وولاه ورجع إلى بلده وقومه والله تعالى أعلم..واقعة الإسكندرية. كان أهل جزيرة قبرص من أمم النصرانية وهم من بقايا الروم وإنما ينتسبون لهذا العهد إلى الإفرنج لظهور الافرنج على سائر أمم النصرانية وإلا فقد نسبهم هروشيوش إلى كتيم وهم الروم عندهم ونسب أهل رودس إلى دوداتم وجلعهم اخوة كيتم ونسبهما معا إلى رومان وكانت على أهل قبرص جزية معلومة يؤدونها لصاحب مصر وما زالت مقررة عليهم من لدن فتحها على يد معاوية أمير الشام أيام عمر وكانوا إذا منعوا الجزية يسلط صاحب الشام عليهم أساطيل المسلمين فيفسدون مراسيها ويعيثون في سواحلها حتى يستقيموا لأداء الجزية وتقدم لنا آنفا في دولة الترك أن الظاهر بيبرس بعث إليها سنة تسع وستين وستمائة أسطولا من الشواني وطرقت مرساها ليلا فتكسرت لكثرة الحجارة المحيطة بها في كل ناحية ثم غلب لهذه العصور أهل جنوة من الإفرنج على جزيرة رودس حازتها من يد لشكري صاحب القسطنطينية سنة ثمان وسبعمائة وأخذوا بمخنقها وأقام أهل قبرص معهم بين فتنة وصلح وسلم وحرب آخر أيامهم وجزيرة قبرص هذه على مسافة يوم وليلة في البحر قبالة طرابلس منصوبة على سواحل الشام ومصر واطلعوا بعض الأيام على غرة في الإسكندرية وأخبروا حاجبهم وعزم على انتهاز الفرصة فيها فنهض في أساطيله واستقر من سائر الإفرنج ووافى مرساها سابع عشر من المحرم سنة سبع وستين في اسطول عظيم يقال بلغ سبعين مركبا مشحونة بالعدة والعدد ومعه الفرسان المقاتلة بخيولهم فلما أرسى بها قدمهم إلى السواحل وعبى صفوفه وزحف وقد غص الساحل بالنظارة برزوا من البلد على سبيل النزهة لا يلقون بالا لما هو فيه ولا ينظرون مغبة أمره لبعد عهدهم بالحرب وحاميتهم يومئذ قليلة وأسوارهم من الرماة المناضلين دون الحصون خالية ونائبها القائم بمصالحها في الحرب والسلم وهو يومئذ خليل بن عوام غائب في قضاء فرضه فما هو إلا أن رجعت تلك الصفوف على التعبية ونضحوا العوام بالنبل فأجفلوا متسابقين إلى المدينة وأغلقوا أبوابها وصعدوا إلى الأسوار ينظرون ووصل القوم إلى الباب فأحرقوه واقتحموا المدينة واضطرب أهلها وماج بعضهم في بعض ثم أجفلوا إلى جهة البر بما أمكنهم من عيالهم وولدهم وما اقتدروا عليه من أموالهم وسالت بهم الطرق والأباطح ذاهبين في غير وجه حيرة ودهشة وشعر بهم الأعراب أهل الضاحية فتخطفوا الكثير منهم وتوسط الأفرنج المدينة ونهبوا ما مروا عليه من الدور وأسواق البر ودكاكين الصيارفة ومودعات التجار وملؤا سفنهم من المتاع والبضائع والذخيرة والصامت واحتملوا ما استولوا عليه من السبي والأسرى وأكثر ما فيهم الصبيان والنساء ثم تسايل إليهم الصريخ من العرب وغيرهم فانكفأ الإفرنج إلى أساطيلهم وانكمشوا فيها بقية يومهم وأقلعوا من الغد وطار الخبر إلى كافل الدولة بمصر الأمير بيبقا فقام في ركائبه وخرج لوقته بسلطانه وعساكره ومعه ابن عوام نائب الأسكندرية منصرفه من الحج وفي مقدمته خليل بن قوصون وقطلوبغا الفخري من أمرائه وعزائمهم مرهفة ونيابتهم في الجهاد صادقة حتى بلغهم الخبر في طريقهم باقلاع العدو فلم يثنه ذلك واستمر إلى الإسكندرية وشاهد ما وقع بها من معرة الخراب وآثار الفساد فأمر بهدم ذلك واصلاحه ورجع ادراجه إلى دار الملك وقد امتلأت جوانحه غيظا وحنقا على أهل قبرص فأمر بإنشاء مائة أسطول من الأساطيل التي يسمونها القربان معتزما على غزو قبرص فيها بجميع من معه من عساكر المسلمين بالديار المصرية واحتفل في الأستعداد لذلك واستكثر من السلاح وآلات الحصار وكمل غرضه من ذلك كله في رمضان من السنة لثمانية أشهر من الشروع فيه فلم يقدر على تمام غرضه من الجهاد لما وقع من العوائق كما نقصه والله تعالى ولى التوفيق.
|